صحة الموظفين النفسية مفتاح للنجاح والابتكار في بيئة العمل
بقلم: الدكتورة هويدا عزت، كاتبة وباحثة في العلوم الإدارية وفلسفة الإدارة
هل فكرت يومًا في العلاقة بين سعادتك في العمل وإنتاجيتك؟ هل تعلم أن الإهمال المستمر للصحة النفسية للموظفين يمكن أن يكلف الشركات خسائر فادحة؟ حادثة انتحار الموظف من الطابق الثالث قبل عدة سنوات، والتي أثارت ضجة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، تذكرنا بأهمية الصحة النفسية في بيئة العمل. فقد ربط الكثيرون هذه الحادثة بضغوط العمل الشديدة التي تعرض لها الموظف من مديره.
تُعرف الصحة النفسية في بيئة العمل على أنها الحالة النفسية والاجتماعية التي تمكن الموظف من أداء عمله بفعالية، التعامل مع الضغوط المرتبطة بالوظيفة، والحفاظ على علاقات إيجابية مع زملائه ومديريه. تتضمن أيضًا الشعور بالرضا، والتكيف مع التغيرات، والتحكم في التوتر، وتحقيق التوازن بين الحياة المهنية والشخصية.
الصحة النفسية للموظفين لا تعزز الإنتاجية فقط، بل تسهم في الابتكار والإبداع والولاء للمؤسسة. الموظف السعيد والمرتاح نفسيًا يكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات وإيجاد حلول مبتكرة. بيئات العمل التي تتسم بالتمييز وعدم المساواة تؤثر سلبًا على الصحة النفسية للموظفين، وتحد من قدرتهم على الأداء الجيد.
الإرهاق الوظيفي هو أحد التحديات الكبيرة التي تواجه الشركات اليوم. ينجم هذا الإرهاق عن زيادة حجم العمل، ساعات العمل الطويلة دون راحة، وغياب الدعم والتقدير. هذه العوامل تؤدي إلى انخفاض الإنتاجية، وزيادة الأخطاء، وارتفاع معدلات الغياب عن العمل.
أثبتت الأبحاث أن الإهمال المستمر للصحة النفسية يؤثر سلبًا على الشركات بأكملها. الموظفون الذين يعانون من الإجهاد والاكتئاب يكونون أقل إنتاجية وأكثر عرضة للغياب. هذه المشكلات تؤدي في النهاية إلى زيادة التكاليف وفقدان العملاء وتدهور سمعة الشركة.
منظمتا الصحة العالمية والعمل الدولية حذرتا من تزايد أزمة الصحة النفسية في بيئة العمل. تشير التقديرات إلى أن هذه الأزمة تكلف الاقتصاد العالمي تريليون دولار سنويًا. دعت المنظمتان إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية صحة الموظفين، بما في ذلك توفير بيئات عمل آمنة وصحية.
أصدرت الأمم المتحدة، مُمثلة بمنظمة الصحة العالمية ومكتب العمل الدولي، مجموعة من المبادئ التوجيهية التي تهدف إلى معالجة التحديات المتزايدة المتعلقة بالصحة النفسية في بيئات العمل. تركز هذه المبادئ على ضرورة اتخاذ تدابير وقائية، مثل تدريب المديرين وبناء ثقافة تنظيمية قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون.
الصحة النفسية للموظفين ليست رفاهية، بل ضرورة استراتيجية لتحقيق النجاح المستدام. الشركات التي تستثمر في صحة موظفيها تحقق عوائد كبيرة من خلال زيادة الرضا الوظيفي، الابتكار، وتقليل التكاليف المرتبطة بتدريب موظفين جدد.